قال الله سبحانه
وتعالى: ]يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ ولِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ
واعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ وأَنَّهُ
إلَيْهِ تُحْشَرُونَ ]
ما أعظم المِنة التي
امتنها الله تعالى على عباده، عندما أكمل لهم الدين، وأتم عليهم النعمة،
ورضي لهم الإسلام ديناً: ]اليَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ
الإسْلامَ دِيناً ]
فالذين يستجيبون لله
وللرسول ظاهراً باطناً هم الأحياء وإن ماتوا، وهم الأغنياء وإن قلَّت ذات
أيديهم، وهم الأعزة وإن قلَّ الأهل والعشيرة.. غيرهم هم الأموات حقيقةً وإن
كانوا أحياء الأبدان، يَسْعَوْنَ بين الناس جيئةً وذُهوباً، ]أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ ومَا يَشْعُرُونَ][النحل:21]،
وهم الفقراء، ولو كان الذهب النُّضار يملأ خزائنهم، ويَعْمُر جيوبهم، وهم
الذين تغشاهم الذلة، ولو كانوا يمتون بالنسب، ويحتمون إلى أعرق القبائل
].
والله سبحانه وتعالى
يوجِّه الدعوة الكريمة للمؤمنين، ويستجيش فيهم عاطفة الإيمان، ويخاطبهم
بهذه الصفة: صفة الإيمان، ويذكّرهم بمقتضى هذا الذي آمنوا به، فيناديهم
بصفتهم مؤمنين ليكون ذلك حاملاً لهم على المبادرة إلى إجابة الدعوة بعناية
واستعداد، وقوة وعزيمة.
وهذا هو شأن المؤمن: إنه يتلقى أوامر الله
ودعوته بقوة: ]يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ][مريم:12]،
]خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا
فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ][الاًعراف:171] فإن لهذه الدعوة
أعباءها، وإن لهذه المهمة تكاليفها: ]إنَّا
سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً]
وهذه الدعوة، التي
يوجهها الله تعالى لعباده المؤمنين، دعوة إلى الحياة بكل صور الحياة، وبكل
معاني الحياة ولكنها ليست أيَّ حياة، وإنما هي الحياة الكريمة العزيزة،
الحياة الحقيقية الكاملة، التي يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، فإن
هذه المخلوقات تحيا حياة بهيمية، يتحرك فيها المخلوق بدافع من بطنه أو
فرجه، فهو لا يعرف له غاية نبيلة يسعى إليها، ولا رسالة يحيا من أجلها،
ويكافح في سبيلها، فحسبُه دريهمات يملأ بها جيبه، أو لقيمات تملأ معدته
الفارغة، وثياب تكسو جسده العاري، وليكن بعد ذلك ما يكون، فهو لا يسعى
لأكثر من هذا ! !.
وهي العقيدة التي
تهدي العقل، وتضبط حركته وعمله، فتحميه من التيه والضياع، وتحفظ عليه جهده
وطاقته من التبدد، عندما ترسم له منهج الفكر السليم، وتحدد المجال الذي
يمكن أن يرتاده العقل ويستطيع أن يعمل فيه، ثم تحجب عنه ما لا يستطيع أن
يفكر فيه أو أن يدركه، وعندئذ نتجمع الطاقة العقلية لتعمل في مجالها المحدد
فتستطيع أن تحقق الكثير من الإنجازات العظيمة في نطاق السنن الربانية في
الكون والحياة الاجتماعية والحضارية وفي أحداث التاريخ وأيام الله.
وإذا كان الحق لابد
له من قوة تحميه وتزيح العقبات من طريق حمله للناس وإبلاغه لهم، على حد قول
الفاروق عمر، رضي الله عنه: إنه لا ينفع التكلم بحق لا نفاذ له.. فإن هذه
الدعوة إلى الحياة، هي دعوة إلى القوة والجهاد الذي أعزَّ الله تعالى به
هذه الأمة بعد ذُل، وقوّاها من بعد ضعف، فقد حُملت راية الجهاد في سبيل
الله، لتقرير ألوهية الله تعالى في الأرض، لينعم البشر بدين الله، سبحانه
وتعالى فيتحرروا في كل عبودية لغير الله، إذ هم عبيد لله تعالى وحده،
وعندئذ تكتب لهم الحرية الحقيقية، والعزة الكاملة، فالجهاد هو طريق العزة
والكرامة للأمة، هو طريق الحياة الحقيقية.
وأما الذين يرفضون
الاستجابة لله والرسول فإنهم يرفضون الحياة الكريمة اللائقة بالإنسان، فليس
لهم إلا الدُّون ومصيرهم الهلاك، ومآلهم الدمار والبوار: ]أَلَمْ تَرَ إلَى الَذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ
كُفْراً وأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا
وبِئْسَ القَرَارُ]
فهل تستجيب لهذه
الدعوة الكريمة التي وجَّهها إليك رب العزة، جل جلاله؛ لتظفر بهذه الحياة
الكريمة التي ألمحنا إلى شيء مما تعنيه، فتكون بسلوكك واستجابتك هذه
مَعْلَماً من معالم الطريق.. ؟ وإذا وُجِّهت إليك الدعوة ثانية، فهل تستجيب
لها؟
إنك لست بالخيار.. إن
أردت أن تكون مؤمناً.. فإما إيمان.. أو لا إيمان.. إما استجابة.. وإما
إعراض.. ولن يكون مؤمناً ذاك الذي يُعرض عن دعوة الله، ولا يستجيب لها، أو
يجعلها دبر أذنيه، فإن الاستجابة لله وللرسول، - صلى الله عليه وسلم-، هي
المحكُّ الحقيقي والمظهر العملي للإيمان: ]إنَّمَا
كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ ورَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وأَطَعْنَا وأُوْلَئِكَ
هُمُ المُفْلِحُونَ][النور:51]. ]لَيْسَ
بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً
يُجْزَ بِهِ ولا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ولِياً ولا نَصِيراً، ومَن
يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولا يُظْلَمُونَ نَقِيراً][النساء:123-124].
والمؤمن
يستجيب لنداء الإيمان من فوره: ]رَبَّنَا إنَّنَا
سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ
فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وكَفِّرْ عَنَّا
سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ * رَبَّنَا وآتِنَا مَا
وعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ولا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ إنَّكَ لا
تُخْلِفُ المِيعَاد
الموضوع الأصلي :
اجيبوا داعى الله المصدر :
منتديات بصمة حزن الكاتب:rahaf